من أين يأتي الانترنت؟ من مالك الانترنت؟
الإنترنت ليس ملكًا لأحد، ولكن هناك من يرسم خرائطه!
الإنترنت هو الشبكة التي أحدثت ثورة في الطريقة التي نعيش ونعمل ونتواصل بها، لكنها أيضًا واحدة من أكثر المفاهيم تعقيدًا. نعتمد عليها يوميًا، لكن القليل منا يعرف حقًّا: من يملك الإنترنت؟
على الرغم من أن الإنترنت يبدو كيانًا موحدًا يمكن السيطرة عليه، فإنّه في الواقع نظام لامركزي يعتمد على التعاون بين مجموعة واسعة من الأطراف. لا توجد جهة واحدة تدير الإنترنت، ولكنه يتكون من شبكة معقدة من البنية التحتية والخدمات التي تديرها كيانات حكومية، شركات خاصة، ومنظمات دولية.
في هذا المقال، سنستعرض بعمق البنية الأساسية للإنترنت، الجهات التي تتحكم في تشغيله، والتحديات التي تواجه هذا النظام المعقد، مع التركيز على الإجابة عن السؤال الجوهري: من يملك الإنترنت؟
من أين يأتي الانترنت؟ الطبيعة اللامركزية للإنترنت
الإنترنت ليس كيانًا ماديًا يمكن امتلاكه، وبالرغم من أنّه بدأ في دولة معينة (الولايات المتحدة مثلاً)، إلا أنه ليس مملوكًا لهذه الدولة. بل هو شبكة مترابطة من شبكات أصغر تعمل معًا باستخدام مجموعة من البروتوكولات المفتوحة. يتكوّن من:
- شبكات مستقلة: تعمل الشركات والمؤسسات والجامعات كمشغلين للشبكات التي تتّصل عبر نقاط تبادل الإنترنت (IXPs).
- البروتوكولات الموحدة: مثل TCP/IP، التي تتيح للأجهزة والشبكات التفاعل بسلاسة.
لماذا الإنترنت غير مملوك لأي جهة؟
-
تصميمه اللامركزي:
صُمم الإنترنت في الأصل ليكون مقاومًا للفشل وبالتالي هو ذات طبيعة لامركزية. بحيث حتّى إذا تعطّلت شبكة واحدة، تظلّ الشبكات الأخرى تعمل. كل شبكة مسؤولة عن تشغيل نفسها والتواصل مع الشبكات الأخرى.
-
البنية التحتية الموزعة:
تتكوّن البنية التحتية للإنترنت من كابلات بحرية، مراكز بيانات، أبراج اتصالات، وأجهزة توجيه (Routers)، وكل هذه المكوّنات مملوكة لمئات من الشركات والمنظّمات في جميع أنحاء العالم.
لكن ماذا يعني هذا عمليًا؟
لا يمكن لأي شخص أو دولة امتلاك الإنترنت. الإنترنت لا يخضع لسيطرة كيان واحد، بل هو نظام عالمي يديره عدد هائل من الجهات المستقلة التي تتعاون بشكل غير مركزي.
من يتحكم في تشغيل الإنترنت؟
صحيح، قلنا سابقًا أنه لا يوجد شخص أو جهة تمتلك الإنترنت بشكل كامل، ولكن من المهم أن نُفرّق بين “الامتلاك” و”التحكّم”. الإنترنت ليس ملكًا لأحد بعينه، هذا صحيح. لكنّه يعتمد على شبكة ضخمة من المكوّنات التي تتعاون بشكل مشترك لتحقيق التفاعل بين المستخدمين حول العالم. في حين أن “الامتلاك” قد يكون مستحيلًا بسبب طبيعة الشبكة اللامركزية، إلّا أن هناك عدّة جهات تتحكّم في تشغيل هذه الشبكة، وتدير مكوّناتها الأساسية التي تتيح لنا الوصول إلى المعلومات والخدمات التي نحتاجها يوميًا.
فيما يلي أهم الجهات التي تساهم في تشغيل الإنترنت وكيفية تأثيرها على تجربتنا اليومية:
مزودو خدمات الإنترنت (ISPs)
إنّ مزوّدو خدمات الإنترنت هم المسؤولون عن توفير الوصول إلى الإنترنت للمستخدمين النهائيين. كما يمكنهم التحكم في سرعة الاتصال أو تقييد المحتوى بناءً على السياسات المحلية أو التجارية.
يتمثّل دورهم في:
- تشغيل البنية التحتية المحلية مثل الكابلات والأبراج.
- توفير خدمات الاتصال للأفراد والمؤسسات.
الكابلات البحرية
تُعد الكابلات البحرية من أهم مكوّنات الإنترنت، حيث تحمل أكثر من 99% من حركة البيانات الدولية. كما يجب الإشارة إلى أنّ شركات التكنولوجيا كبرى مثل Google وFacebook وشركات الاتصالات الدولية مثل AT&T تمتلك جزءًا كبيرًا من هذه الكابلات.
كيف تعمل هذه الكابلات؟
ترسل البيانات عبر نبضات ضوئية تُعالج بسرعة كبيرة، ممّا يجعل الاتصال ممكنًا بين القارات. لكن لا بدّ من إدراك أنّها عرضة للأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو الأنشطة البشرية مثل الصيد أو الشحن.
المنظمات الدولية
فيما يتعلق بتنظيم وتوجيه حركة الإنترنت عالميًا، تعدّ المنظمات مسؤولة عن وضع الإرشادات والمعايير التي تضمن التوافق بين الشبكات المختلفة حول العالم، وبالتالي السماح لنا بالوصول إلى المعلومات والموارد عبر الإنترنت بسهولة وأمان.
وهذه بعض المنظمات الدولية التي تساهم في تنظيم الإنترنت وضمان عمله بشكل متكامل:
- ICANN (Internet Corporation for Assigned Names and Numbers):
تتحكم في إدارة أسماء النطاقات (Domains) وعناوين IP.
- IANA (Internet Assigned Numbers Authority):
وهي مسؤولة عن تخصيص عناوين IP وتوزيعها عالميًا.
- مجموعة مهندسي الإنترنت (IETF):
تعمل على تطوير وتحسين بروتوكولات الإنترنت لضمان توافق الشبكات.
الشركات التكنولوجية الكبرى
شركات مثل Amazon و Microsoft و Google لا تمتلك الإنترنت، لكنها تتحكم في جزء كبير من بنيته التحتية من خلال:
- مراكز البيانات: حيث تُخزن البيانات وتُعالج.
- شبكات التوصيل السريع (CDNs): تحسين سرعة الوصول إلى المحتوى عن طريق تخزين البيانات محليًا بالقرب من المستخدمين.
الحكومات والإنترنت: بين التنظيم والسيطرة
تتداخل الحكومات مع الإنترنت بشكل كبير وتعد جزءًا أساسيًا في منظومة الإنترنت وإدارته داخل حدودها، سواء من خلال وضع القوانين أو تنظيم الوصول. إذ يمكن أن تشرف الحكومات على البنية التحتية للإنترنت، وتفرض قوانين وتشريعات تهدف إلى حماية البيانات وضمان استخدام آمن للإنترنت. كما تختلف الدول في مدى الرقابة والسيطرة التي تمارسها على الشبكة، حيث تضع بعضها قوانين صارمة للحد من الحرية الرقمية، بينما يسعى آخرون إلى تحسين وصول المواطنين إلى الإنترنت وتنظيم المحتوى بشكل أكبر.
إليك بعض الجوانب التي تتداخل فيها الحكومات مع الإنترنت:
- الحماية: تفرض الحكومات قوانين لحماية خصوصية المستخدمين ومنع الجرائم الإلكترونية.
- البنية التحتية المحلية: في بعض الدول، تملك الحكومات البنية التحتية للإنترنت أو تدعم تطويرها في المناطق النائية.
- السيطرة والرقابة: تذهب بعض الحكومات إلى أبعد من التنظيم لتفرض سيطرة كاملة على الإنترنت.مثلًا:
الصين:
- تُدير “جدار الحماية العظيم”، الذي يتحكم في الوصول إلى المواقع الأجنبية.
- تتحكم في المنصات المحلية مثل WeChat و Baidu.
بينما في دول أخرى تفرض بعض الحكومات رقابة جزئية، حيث تمنع الوصول إلى محتوى معين أو تقيد التطبيقات بناءً على أولوياتها.
البنية التحتية للإنترنت: كيف يعمل النظام؟
قبل أن نفهم كيف يعمل الإنترنت بشكل كامل، يجب أن نتعرّف على البنية التحتية التي تجعل كل ذلك ممكنًا، لنتعرّف على أهم مكونات البنية التحتية التي تجعل الإنترنت يعمل بكفاءة:
-
الكابلات البحرية:
تربط هذه الكابلات القارات مع بعضها البعض حيث تمتد آلاف الكيلومترات تحت الماء، وتعتبر الطريقة الأهم لنقل البيانات بسرعة عالية عبر الإنترنت. يمكن لهذه الكابلات إرسال كميات كبيرة من البيانات بسرعة الضوء لمسافات طويلة، وهذا ما يجعلها مناسبة للاتصال بين القارات.
هل تعلم لو لم يكن هناك كابلات بحرية؟ 👀 بدونها، لن تكون الاتصالات الدولية ممكنة! |
-
مراكز البيانات:
و هي المواقع الأساسية التي تُعالج وتخزن البيانات الرقمية.كما تدير هذه المراكز شركات كبرى مثل Amazon Web Services، Google Cloud، و Microsoft Azure، وهي مسؤولة عن تقديم خدمات الحوسبة السحابية وتخزين البيانات للمستخدمين والشركات على مستوى عالمي.
-
أبراج الاتصالات:
أبراج الاتصالات هي المنشآت التي توفّر الاتصال اللاسلكي لشبكات الهواتف المحمولة. تعتمد هذه الأبراج على تقنيات متطورة مثل 4G و 5G لتأمين اتصال سريع وموثوق و تلبية احتياجات المستخدمين في مختلف أنحاء العالم.
التحديات المتعلقة بملكية الإنترنت
بينما يتوسّع الإنترنت في كل زاوية من العالم، يبقى السؤال الذي يشغل الجميع: هل هو حق للجميع أم مجرّد ساحة يتحكّم فيها القليلون؟
تواجه ملكية الإنترنت العديد من التّحديات التي تؤثر على كيفيّة الوصول إليها واستخدامها بشكل عادل وآمن. وهي:
-
الفجوة الرقمية:
الإنترنت ليس متاحًا بشكل متساوٍ للجميع!
في حين أن بعض المناطق تتمتّع بخدمات اتصال سريعة ومتطورة، تعاني المناطق الريفية والبلدان النامية من نقص حاد في البنية التحتية اللازمة للوصول إلى الإنترنت. الأمر الذي يخلق فجوة بين من لديهم القدرة على الوصول إلى الإنترنت والاستفادة من مزاياه، وبين من يواجهون صعوبة في الوصول حتى إلى أبسط خدمات الاتصال.
-
الأمن السيبراني:
تمثّل الهجمات الإلكترونية، مثل هجمات DDoS تهديدًا كبيرًا للبنية التحتية للإنترنت، حيث تستهدف تعطيل الشبكات والخدمات الإلكترونية بشكل متعمّد. ورغم تطوّر تقنيات الحماية، تبقى مُهمة حماية الشبكات من الاختراقات والهجمات المستمرة تحديًا دائمًا، إذ يتطلب الأمر جهودًا مُستمرة لمواكبة التهديدات المتزايدة وضمان أمان المعلومات.
-
الخصوصية:
مع سيطرة الشركات الكبرى على مراكز البيانات، تظهر تساؤلات هامة حول كيفية جمع واستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين. وفي محاولة لمواجهة هذه المخاوف، ظهرت قوانين تنظيمية مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في أوروبا، التي تهدف إلى تنظيم كيفية تعامل الشركات مع البيانات وحماية خصوصية الأفراد.
الإنترنت في المستقبل: من يسيطر على الإنترنت في العالم؟
يطرح الإنترنت في المستقبل العديد من الأسئلة حول كيفيّة تأثير التكنولوجيا المتقدّمة على حياتنا اليومية. حيث أصبح من المهم أن نفهم كيف سيتغيّر الإنترنت الذي نعرفه. وهل سيكون هناك ضغط أكبر على البنية التحتية للإنترنت! لنتعرّف معًا على التطورات التقنية بخصوص الإنترنت:
-
الإنترنت الكمّي:
الإنترنت الكمّي هو فكرة جديدة تستخدم قوانين الفيزياء الكمّية لجعل الإنترنت أكثر أمانًا. الفكرة هي أن البيانات تُنقل باستخدام جزيئات صغيرة جدًا تسمى “الفوتونات”، وهذه الجزيئات يمكن أن تضمن حماية قوية للبيانات. في الإنترنت الكمّي، إذا حاول شخص ما اعتراض أو التلاعب بالبيانات أثناء انتقالها، سيتم اكتشاف ذلك فورًا.
شبكات 6G هي الجيل القادم من الإنترنت، وستوفّر سرعات أعلى بكثير من الجيل الخامس (5G). ستتمكن هذه الشبكات من نقل البيانات بسرعة فائقة، مع زمن استجابة شبه معدوم، مما يعني أنه سيكون هناك تأخير بسيط جدًا في إرسال واستقبال البيانات. هذا سيمكن من تحسين تجربة الإنترنت في التطبيقات التي تتطلب استجابة سريعة، مثل الواقع المعزز والافتراضي، والأجهزة المتصلة بالإنترنت.
الأقمار الصناعية منخفضة المدار (LEO):
هي نوع من الأقمار التي تدور على ارتفاع منخفض عن الأرض، وتستخدم لتوفير الإنترنت عالي السرعة في المناطق النائية والريفية. تهدف مشاريع مثل Starlink إلى تقليل الفجوة الرقمية عن طريق توفير اتصال بالإنترنت في الأماكن التي يصعب الوصول إليها عبر الطرق التقليدية.
تحديات مستقبليّة عليك معرفتها!
|
في النهاية، ندرك أن الإنترنت ليس ملكًا لأي شخص أو دولة بمفردها، بل هو شبكة معقدة تعتمد على التعاون بين ملايين الأطراف حول العالم. من مزودي خدمات الإنترنت إلى الشركات الكبرى والمنظمات الدولية، كل جهة تسهم في إدارة تشغيل هذه المنظومة . ومع ذلك، يتعيّن علينا جميعًا التعاون للحفاظ على هذه الشبكة مفتوحة وآمنة، لمواجهة التحديات المستقبلية التي ستؤثر على كل جوانب حياتنا اليومية.
وتذكّر دائمًا:
الإنترنت ليس مجرد وسيلة للاتصال؛ هو ساحة عالمية يمكن أن تعيد تشكيل مستقبلنا، ولن يكون هناك وقت أفضل من الآن للبدء في فهمه وحمايته!