سواء كنت خريجًا من كلية هندسة الاتصالات أو لا تزال طالبًا فيها أو حتى بكونك مهتمًا فقط في مجال نظم الاتصالات الخلوية الحديثة فلا بدَّ أنك واجهت مشكلة ندرة المراجع التي تتحدث عن هذا المجال بوضوح واختصار.
ومن الطبيعي جداً أن يتشتت الباحث عن أي معلومة تخص الاتصالات الخلوية، وذلك بسبب كثرة التفرعات والأقسام المندرجة تحت هذا مجال وبسبب تعدد المصادر الأجنبية وقلة المصادر العربية.
ناهيك عن قصور فهم طالب هندسة الاتصالات لبعض المصطلحات التقنية والتي غالبًا تكون باللغة الإنجليزية، مما يعيق مواكبته لهذه الوتيرة المتسارعة في تطور نظم الاتصالات الخلوية وخاصةً إذا كانت دراسته باللغة العربية.
انطلاقًا من هذا العجز وتأكيدًا على أهمية الإلمام بأساسيات هذا المجال، وضعنا بين أيديكم مدخلًا يحيطكم بأبرز المعلومات التي تدور في كوكب مجال نظم الاتصالات الخلوية، آملين أن نزودكم بمبادئ وأسس للوصول إلى المعرفة المنشودة.
ما هي الاتصالات الخلوية؟
بادئ ذي بدء كان الهدف الرئيسي لمهندسي الاتصالات اللاسلكية هو تأمين خدمة هاتفية لكل شخص على حدى وذلك عبر استخدام جهاز شخصي يحمل رقمًا خاصًا بالمستخدم، ومن ثم يجري اتصال هذه الأجهزة بمراكز تنظيم معتمدة تُربط بمراكز الهواتف داخل كل دولة.
لكن مشكلة ثقل الوزن والسعر المرتفع للأجهزة الإلكترونية إلى جانب عدم القدرة على إتاحة حيز ترددي لكل مستخدم أعاق تنفيذ هذا الهدف في فترة قبل السبعينات.
إلى أن حلَّت مشكلة ثقل الوزن والسعر المرتفع لهذه الأجهزة بالسياق مع اكتشاف تقنية تقسيم التردد التي مكَّنت عددًا معينًا من المستخدمين من الاتصال في اللحظة نفسها.
لكن وعلى الرغم من ذلك بقيت مشكلة القناة الواحدة التي لا تسمح إلا لعدد صغير من المستخدمين بالاتصال في نفس الوقت.
من هنا ظهرت فكرة الاتصالات الخلوية التي يُعنى مبدؤها باستخدام محطات راديوية ثابتة ذات طاقة منخفضة وترددات مختلفة عن بعضها البعض، إذ تكون كل محطة مصممة لتوفير خدمات الاتصالات ضمن منطقة جغرافية محددة يطلق عليها اسم (الخلية).
ما هي المعمارية العامة لشبكة الاتصالات الخلوية؟
يمكننا وصف شبكة الاتصالات الخلوية بأنها شبكة راديو موزعة على الأرض من خلال عدة خلايا، وتشتمل كل خلية على جهاز إرسال واستقبال ضمن موقع ثابت يسمى المحطة القاعدية الرئيسية.
توفر كل خلية من هذه الخلايا تغطية راديو كافية للمستخدمين ضمن المنطقة الجغرافية التي تغطيها.
أما مجموع الخلايا مع بعضهم البعض فهو يوفر تغطية راديو لمناطق جغرافية أوسع بشكلٍ يضمن إبقاء الهاتف المحمول متصلًا بالشبكة مهما تحرَّك في مجال هذه الخلايا، إذ يضم كل نظام خلوي:
-
شبكة النفاذ الرديوي (RAN: Radio Access Network)
وهذه الشبكة هي عبارة عن الطريق الذي يصل المستخدم بالشبكة المركزية (Core Network) والتي تقدم وتدير خدمات الاتصالات المتنوعة، إذ تتألف هذه الشبكة من:
-
الوحدة المتحركة لنظم الاتصالات الخلوية (Mobile Station)
ويُقصد بالوحدة المتحركة أي الـ mobile الذي نستخدمه في حياتنا اليومية، وتُستخدم هذه التسمية في نظام الجيل الثاني GSM أما في نظام الجيل الثالث UMTS و في الأنظمة المتفرعة عنه فيسمى هذا الجزء بـ User Equipment (UE).
و مهمة هذا الجزء هي التواصل مع الشبكة عن طريق الأمواج الراديوية و الاستفادة من الخدمات التي يقدمها مشغّل الشبكة، إذ تُركب شريحة SIM في الموبايل ليكون قادرًا على التواصل مع شبكة الاتصالات الخلوية.
علاوة على ذلك، تحتوي الـ SIM Card بشكل عام على ذاكرة بسعة 64KB لتخزين 250 جهة اتصال و52 رسالة نصية ومعلومات تعريفية عن المستخدم صادرة عن مزود الخدمة كشركة زين مثلًا، وقد تصل سعة التخزين لهذه الذاكرة إلى 256KB.
-
المحطة الثابتة (القاعدية) في الاتصالات الخلوية
إن نقطة نفاذ المشترك إلى الخدمات التي تقدمها الشبكة هي المحطات الثابتة (Base Stations) أو بما يُعرف شيوعًا أبراج الاتصالات الخلوية، والتي تنتشر جغرافيًا بشكل واسع لتزويد المستخدمين بالتغطية اللازمة بهدف إتمام عمليات الاتصال الصوتية والإنترنت.
ولا يفوتنا أن ننوه إلى تغير تسمية المحطة الثابتة مع تطور أجيال الاتصالات الخلوية، ويمكن التماس ذلك من خلال المقارنة التالية:
علاوة على ذلك، ترتبط المحطة القاعدية بأجهزة الهاتف المحمول لدى المستخدمين عبر الرابط الراديوي (Radio Interface)، كما ترتبط بوحدة تحكم المحطات القاعدية والتي سنشرحها في الفقرة التالية.
-
وحدة التحكم بالمحطات الثابتة (BSC: Base Station Controller)
يمكن أن تُسمى أيضًا بـ (RNC: Radio Network Controller)، وتكمن وظيفة هذه الوحدة في إدارة كل العمليات المتعلقة بالاتصال الراديوي في شبكة الاتصالات الخلوية، ومن أبرز هذه العمليات:
- إدارة عملية التسليم (Handover والتي هي انتقال المستخدم من خلية إلى أخرى) بين خلايا وحدة التحكم، علمًا أنه يُربط إلى وحدة تحكم ما، عدة خلايا وليس خلية واحدة فقط.
- تحديد وتخصيص القنوات الراديوية لأجهزة الهاتف المحمول وتحريرها بعد انتهاء المشترك من استخدامها، والمقصود بتحريرها أي أن تصبح جاهزة للاستخدام من طرف مشترك آخر.
- التحكم بالاستطاعة وإرسال أوامر القفز الترددي.
- مراقبة الاتصال الراديوي ومعالجة تقارير القياس للوصلتين الصاعدة (Up-link) والهابطة (Down-link).
- تحديد خوارزمية التشفير.
وتعمل هذه الوحدة على التحكم بعدة محطات قاعدية ضمن منطقة جغرافية محددة والتنسيق فيما بينها، لذا سنعود قليلًا في الفقرة التالية إلى المحطة القاعدية لشرح وظائفها بعد شرح ماهية وحدة التحكم.
-
9 وظائف تنجزها المحطة القاعدية في الاتصالات الخلوية
بعد التعرف على ماهية المحطة القاعدية، يجب الآن معرفة المهام التي يمكن لهذه المحطة أن تنجزها، والتي هي وفق التالي:
- معالجة الإشارة: وهو علم قائم بحد ذاته ولا يمكن لأي نظام اتصالات أن يخلو من نظام معالجة إشارة.
- تغطية منطقة جغرافية بالإشارة الراديوية ليستطيع المستخدم الاستفادة من خدمات شبكة الاتصالات الخلوية.
- مراقبة جودة الاتصال وإجراء القياسات بشكلٍ دوري ولمستوى التشويش على الإشارة الراديوية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين أداء النظام عند الضرورة.
- الاتصال مع وحدة التحكم بالمحطات لاستخدام موارد الشبكة بأعلى كفاءة ممكنة.
- تنفيذ بروتوكلات الاتصال ما بين المحطة القاعدية والمستخدم، والمحطة القاعدية ووحدة التحكم بالمحطات.
- استقبال الإشارة الراديوية من الأجهزة المحمولة ومعالجتها.
- استقبال الإشارة من وحدة التحكم بالمحطات (BSC أو RNC) وبثها كإشارة راديوية إلى أجهزة الهواتف المحمولة.
- تنفيذ مجموعة من الإجراءات الخاصة بالتقنيات التي تستخدمها الشبكة لتحسين أداء النظام وكفاءته.
- ضم الإشارات الخاصة بعدة قنوات اعتبارية لتتشارك في قناة فيزيائية واحدة، وسنشرح هذه الوظيفة في المثال التالي:
على سبيل المثال، إذا كان النظام يعتمد تقنية النفاذ إلى الشبكة بتقسيم الزمن (Time-Division Multiple Access)، فإن المحطة القاعدية تنجز عملية تجميع القنوات الفيزيائية لتكوين الإطار الزمني المؤلف من 8 Slots.
علاوة على ذلك، يمكن للمحطة القاعدية أن تنجز العملية السابقة في الوصلة الصاعدة وبشكل عكسي، إذ تُجمّع الإشارات المستقبلة من عدة مستخدمين لصياغة الإطار الزمني والأطر المتعددة.
وهذا مثال بسيط مبني على تطبيق الجيل الثاني في المحطة القاعدية، وتختلف طبيعة المثال باختلاف جيل الاتصالات الخلوية، إذ تنجز المحطة الخلوية مثلًا عملية البعثرة (Scrambling) اللازمة لجمع الإشارات الخاصة بعدد من المستخدمين ضمن إشارة واحدة، وهذا الكلام يُطبق في نظام CDMA أي الجيل الثالث.
إضافة إلى أن المحطة القاعدية تتألف من عدة وحدات وأقسام تختلف باختلاف نظام الاتصالات الخلوية (أي اختلاف الجيل والتقنيات المستخدمة)، وسنعمل على توضيح هذه الأجزاء ووظيفة كلٍ منها في مقالات لاحقة.
-
المقسم المركزي (Core Network)
ويسمى هذا الجزء أيضًا بالشبكة المركزية، والتي تتكون من مجموعة من (switching centers) التي تتحكم بمسار المكالمات الصوتية ضمن الشبكة الخلوية بالاعتماد على تقنية تبدديل الدارات التقليدية.
إضافة إلى أن الشبكة المركزية تتكون أيضًا من الـ Routers التي توّجه رزم المعطيات (Data packets) بين أجزاء وأقسام الشبكة المختلفة.
وتدل كلمة (Core) في هذا الجزء على أهمية الشبكة المركزية، إذ لا يمكن لأي عملية اتصال أو تبادل بيانات أن تكتمل دون هذه النواة.
إضافة إلى أن جميع المميزات والخدمات التي يستفاد منها مستخدمي الهاتف المحمول تُدار بواسطة برمجيات موجودة في هذه الشبكة.
والآن سنتعمق ببعض التفاصيل المتعلقة بالشبكة المركزية، مع العلم أن أي معلومة في هذا المقال هي أساسية لكل مهندس اتصالات يسعى إلى احتراف مجال الاتصالات الخلوية.
ومع العلم أيضًا أن هذه المعلومات تتعلق ببنية الشبكة المركزية الأساسية، وسنتحدث في مقالات مخصصة لاحقًا عن الشبكة المركزية في الجيل الرابع 4G والذي يُعد الركيزة الأساسية للجيل الخامس 5G.
لكن وعلى الرغم من ذلك يمكن للجيل الخامس أن يستغني عن الشبكة المركزية للجيل الرابع، وسنوضح كيف يمكن ذلك في مقالات أخرى، كما ويمكنكم التواصل مع فريق الدعم لنشرح لكم الفكرة باختصار.
وبالعودة إلى أقسام شبكة الـ Core نجد الأجزاء التالية:
-
مركز التبديل (MSC)
يرتبط هذا المركز بعدة وحدات تحكم (BSCs)، وكل وحدة تحكم ترتبط بمركز تبديل واحد، وكل ذلك يكون عن طريق واجهة A-Interface، ويعمل مركز التبديل على:
- توجيه المكالمات من شبكة ما إلى شبكات الاتصالات الخلوية الأخرى أو شبكات الاتصالات الثابتة، إضافة إلى التوجيه إلى مراكز التبديل الأخرى الموجودة في الشبكة الخلوية ذاتها.
- التحقق من موقع المشترك وتسجيله وتحديثه باستمرار.
- التحكم بعملية التسليم ما بين وحدات التحكم وبين مراكز التبديل.
2. سجل مقر الاشتراك (HLR: Home Location Register)
وهو قاعدة بيانات في الشبكة المركزية تُخزن فيها المعلومات الخاصة بحسابات المشتركين لدى مزود خدمة الاتصالات الخلوية، ومن هذه المعلومات:
- الـ (PIN) لكل مشترك.
- الخدمات والميزات التي يشترك بها كل مستخدم.
- سجل المقر الحالي والموقع الحالي للمشترك.
- رقم موبايل المشترك.
3. سجل المقر الحالي (VLR: Visitor Location Register)
بداية، علينا معرفة أن لكل مركز تبديل منطقة معينة، والعكس صحيح، أي يجب أن يكون لكل منطقة مركز تبديل خاص فيها.
يُطلق على عدد المستخدمين المتواجدين في منطقة خدمة مركز تبديل ما، اسم زوار هذه المنطقة، إذ يجب أن يمتلك مركز التبديل معلومات عن كل زائر موجود فيه ليتمكن من تسيير المكالمات وتوجيهها بالشكل الصحيح.
هذه المعلومات تتخزن في الـVLR الذي هو قاعدة بيانات تتضمن نسخة من المعلومات الموجودة في الـ HLR الخاص بالمشتركين المتواجدين حاليًا في منطقة خدمة مركز التبديل MSC، وبالتالي يوجد سجل مقر حالي VLR لكل مركز تبديل.
وسنشرح آلية العمل مع مثال بسيط وفق التالي:
لنفرض أن معلومات المشترك أحمد موجودة في VLR لمركز تبديل اسمه X، إذ ان هذه المعلومات تتواجد بشكل مؤقت طيلة فترة بقاء أحمد بهذه المنطقة التابع لها مركز التبديل X، وتُحذف عند انتقاله إلى منطقة خدمة مركز تبديل آخر اسمه Y.
وعند انتقال أحمد إلى Y، يطلب الـ VLR الجديد الموجود في مركز التبديل Y من الـ HLR معلومات أحمد.
بعد ذلك يحدّث الـ HLR موقع أحمد الجغرافي ويرسل نسخة من معلومات أحمد الجديدة إلى الـ VLR الجديد في Y، وتتنفذ هذه الإجراءات بأجزاء من الثانية، وطبعًا هناك إجراءات أخرى تحصل ضمن الشبكة، ولكن أعطينا هذا المثال فقط بهدف توضيح وظيفة الـ HLR والـ VLR.
4. مركز التحقق (AUC: Authentication Center)
وهو عبارة عن قاعدة بيانات تحمي شبكة الاتصالات الخلوية من الاختراق عن طريق تقديم خدمات الشبكة الخلوية للأشخاص المسموح لهم بذلك فقط.
ويرتبط هذا المركز مع الـ HLR، ويرسل له مفاتيح معينة لإتمام عملية التحقق والتشفير والتي تضمن سرية وأمن الشبكة.
5. سجل أجهزة المشتركين (EIR: Equipment Identity Register)
وهي قاعدة بيانات تتضمن 3 قوائم:
- القائمة البيضاء وتتضمن الأجهزة المرخصة أصولًا الموجودة في البلاد.
- القائمة السوداء وتتضمن الأجهزة غير النظامية.
- القائمة الرمادية وتتضمن الأجهزة غير المؤكدة.
ويساعد تصنيف الأجهزة ضمن القوائم السابقة على حجب الخدمات عن الأجهزة غير المرخصة، ويساعد أيضًا الجهات المختصة في الدولة على ملاحقة الأجهزة المسروقة.
أبرز 4 فروقات أساسية بين الجيل الرابع والخامس في الاتصالات الخلوية
بما أننا نتحدث عن معمارية الشبكة الخلوية، وبما أن هذه المعلومات هي أساسية، فقد قررنا كتابة هذه الفقرة لتوضيح أبرز الفروقات بين الـ 4G والـ 5G، علمًا أنه يوجد الكثير من الاختلافات بين النظامين وكل هذا مشروح في دورة الاتصالات المتكاملة
علاوة على ذلك، فإن الجدول التالي مهم جدًا لتجاوز بعض الأسئلة في مقابلات العمل التقنية في شركات الاتصالات الخلوية، علمًا أن كل معلومة موجودة في هذا المقال بشكل عام وفي الجدول بشكل خاص هي نقطة من بحر علم هندسة الاتصالات.
4G VS 5G
ختامًا، لا يمكن لمقال واحد أن يستعرض معلومات شاملة لأي مجال هندسي أو تقني، لا سيما إن كان هذا المجال مثل هندسة الاتصالات يشهد وتيرة تجدد وتطور قلَّ نظيرها.
وفي ذات السياق فإنَّ معمارية شبكة الاتصالات الخلوية تتطور باستمرار مع تطور التقنيات المستخدمة، وخاصة بما يتعلق بالتجهيزات وآلية عمل الشبكة.
لذا سعينا جاهدين إلى ترسيخ القاعدة الأولى فقط، والتي سيمكنك البناء عليها معلومات تخصصية أكبر في مجال الاتصالات الخلوية.
1 Comments
Done